المسؤولية الجنائية عن جريمة التلوث الضوضائي
بقلم: أ. د. حيدر غازي فيصل
كلية القانون - الجامعة المستنصرية
أصبحت ظاهرة الضوضاء من أخطر الظواهر التي ترافق حياة الإنسان أينما يحل، وقد إقتحمت هذه الظاهرة جميع الأماكن العامة والخاصة، وأن كان هناك ثمة اختلاف نسبي ظاهر لها من مكان إلى آخر، وما كان من الأفراد الإ انهم يعيشون في وسط بيئي مليء بالأصوات المزعجة ذات المصادر المختلفة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما يشهده هذا العصر من تقدم هائل في مجال الثورة الصناعية والتكنولوجية. ولقد أثبتت الدراسات البيئية التخصصية الحديثة أن هذه الظاهرة تسببت بأضرار عديدة للإنسان من النواحي الصحية والنفسية أو العقلية التي يظهر أثرها على المجنى عليهم سواء أكان ذلك في الحال أو في المستقبل. كما تبرز آثار الضوضاء في دفع الأفراد إلى ارتكاب جرائم القتل أو الإيذاء أو التخريب بسبب ما تحدثه من إزعاج مستمر من حيث الأثر مما يدفع بدوره الأفراد إلى الرغبة في الانتقام مما حال بينه وبين راحته وسكينته. ونظرا لهذه الآثار التي تتولد عن ظاهرة الضوضاء عمدت التشريعات الجنائية إلى معالجة هذه الظاهرة وفرض الجزاءات الجنائية المقررة لها في حال ثبوت مسؤولية مرتكبيها من الناحية الجنائية. ولغرض الوقوف على المسؤولية الجنائية عن جريمة التلوث الضوضاء لا بد من تعريف التلوث الضوضائي ثم بيان مصادر الضوضاء، ومن ثم الآثار المترتبة عليها.
أولًا - تعريف التلوث الضوضائي:
على صعيد التشريع لا يوجد هناك ثمة اتفاق على تعريف الضوضاء. حيث تباينت التشريعات في إيراد تعريف الضوضاء حيث عرفها قانون حماية البيئة الإماراتي بأنها "جميع الأصوات أو الاهتزازات أو التبنيات الصوتية المزعجة والضارة بصحة الإنسان". أما في إطار التشريع العراقي فإن المشرع قد أورد تعريف للضوضاء في قانون السيطرة على الضوضاء رقم (41) لسنة 2015 حيث عرفها بأنها: "صوت غير مرغوب فيه يؤثر على صحة وراحة أشخاص معينين أو عامة الناس وله تأثير سلبي على البيئة". أما على صعيد الفقه فقد كان هناك تباين في الفقه في تعريف الضوضاء حيث عرفها البعض بأنها "مجموعة أصوات عالية وحادة وغير مرغوبة" كما عرفها البعض بأنها "الصوت الذي لا يرغب المستمع سماعة لأنه مزعج بالنسبة له ويتداخل مع الأنشطة المهمة التي يؤديها".
ثانيًا - مصادر التلوث الضوضائي:
للتلوث الضوضائي مصادر عديدة تأتي منها، ولعل من أبرزها:
1. تساهم وسائط النقل البرية بدور كبير في ازدياد التلوث الضوضائي ويتمثل ذلك في الإفراط الملحوظ في استعمال منبه السيارات بدون مقتضى أو استخدام مكبرات الصوت أو أنواع معينة من المنبهات والتي من شأنها أن تسبب ازعاج للأفراد.
2. الضوضاء الصناعية: يراد بالضوضاء الصناعية هنا هي الناتجة عن المصانع والمعامل وورش العمل المختلفة التي تنطوي على تأثير بالغ على العمال فضلًا عن سكان المناطق السكنية المجاورة لها. وفي هذا الصدد برزت في الحقبة الأخيرة ظاهرة المولدات الكهربائية التي انتشرت بشكل واسع النطاق في الأحياء السكنية وأصبحت تمثل مصدر إزعاج في الكثير من الأحوال للأفراد.
3. مكبرات الصوت: تعد مكبرات الصوت من أبرز مصادر الضوضاء التي تشهدها حياتنا اليومية حيث يمثل الكثير من الباعة المتجولين إلى استخدامها وكذلك بالنسبة بائعي الأجهزة مما انعكس أثر ذلك على الشارع العراقي مما ترتب عليه اقلاق راحة الناس.
4. الضوضاء المنزلية: يحدث هذا النوع من الضوضاء نتيجة الأجهزة الكهربائية التي يتم استخدامها في المنازل كما هو الحال في أجهزة التلفزيون والراديو وأجهزة التكييف فضلًا عن الأصوات المنبعثة من الحفلات العامة في المنازل وما يصاحبها من ضوضاء بسبب استخدام مكبرات الصوت والآلات الموسيقية بدون ترخيص من الجهات المختصة مما يسفر عن ذلك مضايقة للجار أو الشخص الذي يمتهن عملًا ولا يطيق سماع أي صوت.
ثالثًا - الآثار المترتبة على التلوث الضوضائي:
يترتب على التلوث الضوضائي آثار عديدة منها الأضرار في كثير من المجالات من الناحية الصحية ومن ناحية دفع الأفراد الى ارتكاب الجرائم. فمن الناحية الصحية يترتب على التلوث الضوضائي أضرار عديدة منها أضرار جسمانية من شأنها ان تؤثر على جسم الإنسان ولا سيما ما يتعلق بالسمع والجهاز العصبي فضلًا عن تأثير الضوضاء على الدورة الدموية إضافة إلى ذلك أن للضوضاء تأثير على الناحية النفسية حيث أن ارتفاع شدة الصوت على المعدل الطبيعي في البيئة يؤدي إلى نقص في النشاط الحيوي والإثارة والقلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر وارتباك وقلة التفكير. أما بالنسبة لدفع الأفراد نحو ارتكاب الجرائم حيث تعد الضوضاء من أبرز العوامل التي من شأنها أن تدفع الأفراد إلى ارتكاب الجرائم وذلك بسبب ما تحدثه من ازعاج مستمر للأفراد وتكدير راحتهم وهذا من شأنه أن يدفع الأفراد نحو ارتكاب الجريمة بدافع الانتقام ممن حال بينه وبين راحته وسكينته.
وعلى ضوء ما تقدم ونظرًا للاثار التي تترتب على الضوضاء عمدت أغلب التشريعات الجنائية إلى تجريم الضوضاء وفرض جزاءات جنائية لمرتكبيها. من ذلك مثلًا ما نصت عليه المادة (495) من قانون العقوبات العراقي التي فرضت عقوبة الحبس على كل من احدث ضوضاء أو اصواتًا مزعجة وكذلك ما ورد في ذات السياق في المادة (488) من قانون العقوبات العراقي النافذ. فضلًا عن ذلك تم تجريم الضوضاء في ظل قانون السيطرة على الضوضاء رقم (41) لسنة 2015 بموجب المادة (4) منه. وكذلك ما ورد في قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009.