shape
shape

نقص التنظيم الدستوري لاستقالة رئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005

نقص التنظيم الدستوري لاستقالة رئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005

نقص التنظيم الدستوري لاستقالة رئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005

بقلم: أ. م. د. يمامة محمد حسن كشكول

كلية القانون - الجامعة المستنصرية

 

      اكتنفت فترة إقرار الدستور العراقي لعام 2005 حالة من عدم الاستقرار السياسي التي عادة ما تلازم المراحل الانتقالية، والتي يتم من خلالها الانتقال من مرحلة الدكتاتورية إلى مرحلة الديمقراطية في نظام الحكم، لذلك كان من الطبيعي أن لا تنتج هذه المرحلة دستوراً متكاملاً لأسباب عديدة منها الاستعجال في عملية اقراره وعدم وضوح الرؤية السياسية وضعف الثقافة القانونية الدستورية للسلطة المؤسِسة في حينه، فضلاً عن أن طريقة اقراره بموجب عملية الاستفتاء الشعبي الذي يصوت عليه بنعم أو لا، إذ لا يسمح الاستفتاء بسبب طبيعة طرحه الكامل للدستور بفرصة لمناقشة مواده وتشخيص مواضع النقص فيه.

 

     ولعل ما يؤيد طرحنا هذا هي المادة الثانية والاربعون بعد المئة من الدستور التي وضعت على عاتق مجلس النواب الذي يتم انتخابه بعد اقرار الدستور بأن يشكل لجنة خاصة للنظر في مدى وجود لزوم لتعديل بعض نصوص الدستور، وهذا إذا دل على شيء فأنه يدل على أن السلطة المؤسًسة نفسها تقر صراحة نصوص في الدستور تحتاج إلى تعديل ومعالجة كونها تتضمن نقصاً ما أو مواضع للخلل .

 

   ومن مواضع النقص في الدستور هو أنه قد خلا من الإشارة إلى تنظيم استقالة رئيس مجلس الوزراء، فهذا المنصب له طبيعتين  سياسية وإدارية، ومن حق من يشغل هذا المنصب أن يقرر في أي وقت يريده، عدم الاستمرار بهذا المنصب واكتفاءه من العمل في هذا المجال، وهذا يجب أن يكون وفق آليات قانونية منظمة، وهي ما تعرف بالاستقالة، لذلك سنتناول في هذا المقام تنظيم استقالة رئيس مجلس الوزراء في العراق ونطرح رؤية من خلالها  نحاول ان نستكمل النقص التشريعي في الدستور.

 

   أن  خلو الاشارة إلى تنظيم استقالة رئيس مجلس الوزراء، وهذا يعد نقصاً تشريعياً مهماً، إذ لا يمكن الجزم بلزوم استمرار شاغل هذا المنصب بعمله حتى انتهاء مدة تكليفه، بل يمكنه شأنه شأن أي فرد مكلف بخدمة عامة أن يقدم استقالته أو اعفاءه من التكليف بالمنصب الذي يشغله في حال رغب بذلك، لاسيما وأن الدستور قد أجاز لرئيس الجمهورية أن يقدم استقالته إلى رئيس مجلس النواب، ورئيس الجمهورية هو رئيس الشق الثاني للسلطة التنفيذية.

 

    وقد تناول الدستور مسألة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ضمن نطاق الوسائل الرقابية للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، وهذه الوسائل لا يتم اللجوء اليها الا نتيجة ثبوت تقصير من الاخيرة في أداء مهامها واختصاصاتها الموكلة اليها دستورياً،  لكننا في هذا البحث نتناول مسألة الاستقالة المقدمة من رئيس مجلس الوزراء نفسه وبشكل طوعي نابع عن إرادته شخصياً.

 

طلب الاستقالة في النظام الداخلي لمجلس الوزراء....

        كان من الضروري لمجلس الوزراء باعتباره الشق الأهم للسلطة التنفيذية أن يكون له نظاماً داخلياً ينظم العمل داخل هذه السلطة بشكل مفصل، وهذا ما كان، فالمجلس هو الجهة المختصة بإصدار الانظمة دستورياً، وعليه فقد اصدر النظام رقم (8) لسنة 2014، والذي جاء خالياً، مع الاسف، من الإشارة إلى إعفاء أو استقالة رئيس مجلس الوزراء، وكان يتضمن العديد من العيوب الصياغية والموضوعية مما أدى إلى أن  يصدر المجلس نظاماً داخلياً جديداً له، وهو النظام الداخلي بالرقم (2) لسنة 2019، وقد جاء في هذا النظام اشارة عابرة وبسيطة إلى تنظيم الاستقالة حيث جاء في المادة (18/ اولاً) أن"يقدم الرئيس طلب اعفائه من منصبه الى رئيس الجمهورية".

 

     وقد كانت هذه الاشارة مقتضبة بشكل كبير، وهذا أمر معيب، إذ يفترض بالنظام الداخلي لأي من السلطات الدستورية أن يفصل لآلية العمل فيها بشكل كامل وواضح، لكن اقتضاب النص هنا بصدد طلب الاعفاء اثار التساؤل حول فرضيات عديدة مرافقة لطلب الاعفاء،  وهي..

  1.  هل من حق رئيس الجمهورية رفض طلب الاعفاء ، ام ان دوره في هذا الامر دور شكلي مقتصر على استلام الطلب شأنه في هذا شأن رئيس مجلس النواب في حالة استقالة رئيس الجمهورية بموجب المادة (75/ اولاً ) من الدستور.
  2. في ما اذا كان لرئيس الجمهورية خيار الرفض او القبول ، فماهي المدة المحددة للبت في طلب الاعفاء، اذ لا يمكن ترك الامر مطلقاً دون تحديد مدة للبت في الطلب حسب الاصول المرعية في كل التشريعات. 
  3.  من هو الشخص الذي يحل محل رئيس مجلس الوزراء لغاية انتخاب البديل عنه ، هل هو نائبه، ام رئيس الجمهورية.
  4. ماهي المدد الدستورية المحددة لانتخاب رئيس وزراء جديد، هل يمكن القياس على المدد الدستورية المحددة في المادة (76/ ثانياً) الخاصة بتكليف المرشح الجديد لرئاسة مجلس الوزراء والمحددة بخمسة عشر يوماً، ام يجب ان يصار الى تحديد مواعيد جديدة.

 

   كل هذه التساؤلات تطرح كون عملية اعفاء رئيس الوزراء سوف تخلق بالتأكيد حالة من فراغ منصب رئيس السلطة التنفيذية ، التي هي المحرك الأهم لجميع مفاصل الدولة فلا يمكن ان يبقى منصب بهذه الاهمية شاغراً لمدة غير محددة، لان ذلك يخلق تبعات مؤثرة في كل وزارات الدولة.

 

 استقالة رئيس مجلس الحكومة في الواقع العملي...

    الحقيقة أن حالة استقالة رئيس الحكومة أو مجلس الوزراء لم تكن مجرد فرضية أو مجرد نص دستوري غاب عن التنظيم الكامل الصحيح، بل أن الواقع الدستوري العراقي قد شهد حالة تقديم السيد (عادل عبد المهدي ) لاستقالته في كانون الثاني 2019، بعد أقل من سنة من تسنمه المنصب، وذلك أثر الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي انطلقت في الشارع العراقي في تشرين الاول 2019، والتي كانت تطالب باستقالة برئيس مجلس الوزراء، كونه المسؤول عن تردي الخدمات المقدمة لأفراد الشعب، وبعد قرابة الشهرين من الاحتجاجات قام السيد (عادل عبد المهدي) بتقديم استقالته من منصبه استجابة لطلب المرجعية الدينية وحقناً لدماء الشعب كما صرح هو قبيل تقديم الاستقالة.

 

    لكن المخالفة الصريحة لنصوص النظام الداخلي لمجلس الوزراء، كانت في أن الاستقالة قد تم تقديمها إلى مجلس النواب ، وليس إلى رئيس الجمهورية كما نصت المادة (18/اولاً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء،  وهنا المفارقة الغريبة إذ إن النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 قد تم تشريعه في عهد السيد عادل عبد المهدي نفسه وخلال فترة توليه المنصب، ويرى بعض الباحثين أن تصرف رئيس مجلس الوزراء سليم بموضوع تقديم استقالته إلى رئيس مجلس النواب، كون رئيس الجمهورية هو ليس مرجعاً لرئيس مجلس الوزراء، إذ إن منصب الأخير هو منصب سياسي يتولاه بعد منح الثقة من مجلس النواب.

 

   وعند البحث في أسباب تقديمها إلى مجلس النواب وليس إلى رئيس الجمهورية، نجد أن السيد (عادل عبد المهدي) قد ذكر في تصريح له، أنه قد رجع في الاستشارة إلى القاضي (مدحت المحمود) رئيس المحكمة الاتحادية العليا في حينها، حول الجهة التي يقدم اليها طلب الاستقالة، فكان رد الأخير أنه يجب تقديمها إلى مجلس النواب باعتبارها الجهة التي منحته الثقة في التكليف. 

 

    هذا ما يثير لدينا التساؤل حول القيمة القانونية للرأي أو للفتوى التي يقدمها رئيس المحكمة الاتحادية العليا بشكل غير رسمي، هل أن الرأي الذي طرحه لرئيس مجلس الوزراء من خلال استفسار شخصي ودون توجيه طلب رسمي بهذا السؤال له قيمة قانونية ملزمة، ويمكن اتباعها والعمل بها، مع أنها مخالفة لنص قانوني مكتوب وهو النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وماهي التبعات الناشئة عن ابداء هذا الرأي في حال لو قدم طلب تفسير رسمي إلى المحكمة الاتحادية، وهل كانت موجبة لتنحي رئيس المحكمة باعتبار ابداءه لرأي سابق في الموضوع نفسه، وما هو أثر التنحي على سير عمل المحكمة. 

 

   والحقيقة اننا نرى أن هذه الفتوى لا قيمة قانونية لها لسببين، السبب الأول، كونها جاءت بناءً على استفسار شخصي موجه للقاضي (مدحت المحمود) ولم تكن بموجب بيان رأي رسمي يوجه إلى المحكمة الاتحادية لغرض تفسير نصوص الدستور المتعلقة بهذا الامر، والسبب الثاني، كون الفتوى الشفوية التي اصدرها القاضي (مدحت المحمود) كانت مخالفة لنص صريح ومكتوب وهو نص المادة (18/اولاً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء.

 

   من جانب اخر فأننا نرى أنه إذا رجعنا إلى قاعدة توازي الاختصاصات التي اعتمد عليها القاضي (مدحت المحمود) في فتواه آنفة الذكر، فأنه يجب أن تقدم الاستقالة إلى السيد رئيس الجمهورية، ويقوم الاخير بإحالتها إلى مجلس النواب للتصويت عليها، كون التكليف برئاسة الوزارة كان من قبل رئيس الجمهورية ابتداءً، ومن ثم التصويت من قبل مجلس النواب كما نصت المادة (76/ رابعاً) من الدستور، لذلك تعد اجراءات الاستقالة غير سليمة دستورياً لكنها تمت واكتملت على صعيد الواقع السياسي لأسباب منها حرج الوضع السياسي بسبب الاحتجاجات السياسية وضرورة امتصاص الغضب الجماهيري في الشارع العراقي.

 

   وفي النهاية نرى استكمالاً للفائدة أن نقدم نصوصاً بديلة تستكمل النقص الموجود  لتنظيم هذا الجانب، وهذه النصوص يمكن أن تدرج في مواد الدستور ضمن النصوص المنظمة للسلطة التنفيذية، في حال تعديل الدستور، حيث أن فكرة التعديل قائمة منذ نفاذ الدستور في عام 2006، بموجب المادة (142)، ولحد اليوم فان الفكرة مازالت ممكنة التنفيذ خاصة في ظل وجود وعمل لجان التعديل المتخصصة والمشكلة في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب.

 

    وإذا كانت فكرة تعديل الدستور صعبة التنفيذ ومقيدة بقيود متعددة منها التوافق السياسي والإجراءات المعقدة في اجراء استفتاء على التعديل، كون الدستور العراقي يفترض اجراء استفتاء شعبي على كل تعديل دستوري فضلاً عن القيد الذي اضافه القرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا رقم 54/اتحادية /2017 ،الذي اوجب على السلطة التشريعية اتمام التعديل الدستوري بموجب المادة (142) كشرط للمضي في أي تعديل دستوري اعتيادي وفق المادة(126)، فانه يمكن أن نذهب إلى ادراج المواد المنظمة للاستقالة في النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019، إذ إن تعديل النظام الداخلي هو بالتأكيد اكثر سرعة ويسراً من تعديل الدستور.

 

    لذلك فسنقدم أدناه نصوصاً مقترحة لتنظيم استقالة رئيس مجلس الوزراء  ...

المادة (     )

  1. يقدم رئيس مجلس الوزراء طلب اعفائه من منصبه الى رئيس الجمهورية.
  2. لمجلس النواب قبول طلب الاعفاء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه خلال (15) خمسة عشر يوماً من تاريخ احالتها من رئيس الجمهورية .
  3. يحل نائب رئيس مجلس الوزراء محله لحين منح الثقة برئيس مجلس الوزراء المكلف.
  4. تعد الوزارة مستقيلة بمجرد قبول طلب الاستقالة، وتعتبر وزارة تصريف أعمال لغرض تسيير الأمور اليومية.

 

      هذا هو النص المقترح لتنظيم الاستقالة وفق رؤيتنا الدستورية، ونأمل ان تأخذ لجنة التعديلات الدستورية أو مجلس الوزراء بهذا التعديل تلافياً للنقص التشريعي الموجود.