shape
shape

العقار بين الأزمة الاجتماعية والتصدي المدني: قراءة في الواقع العراقي

العقار بين الأزمة الاجتماعية والتصدي المدني: قراءة في الواقع العراقي

العقار بين الأزمة الاجتماعية والتصدي المدني: قراءة في الواقع العراقي

بقلم: الدكتور عمار ضميم الزيدي

كلية القانون - جامعة الهادي

 

شهد المجتمع العراقي بعد عام 2003 تحولات ديموغرافية واقتصادية واسعة، كان من أبرز ملامحها الزحف السكاني باتجاه العاصمة بغداد. هذا التوسع الحضري السريع، ووسط غياب كافٍ في الرقابة الإدارية والتخطيط العمراني، أدى إلى ضغوط شديدة على سوق العقارات وأسهم في تفاقم أزمة اجتماعية تمثلت بارتفاع غير مسبوق في أسعار الأراضي والوحدات السكنية، حتى أصبحت بغداد من بين أغلى مدن العالم من حيث سعر المتر السكني.

 

أزمة السكن وتحولات في استخدام الأراضي

 

في ظل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار، لجأ العديد من المواطنين إلى البحث عن بدائل سكنية خارج الإطار التقليدي للتخطيط العمراني، بما في ذلك استغلال بعض الأراضي الزراعية لأغراض سكنية، سواء بشكل رسمي أو شبه رسمي. هذه الظاهرة، رغم أنها ساهمت في تلبية جزء من الحاجة المجتمعية للسكن، إلا أنها طرحت تحديات على المستوى القانوني والخدمي، تتطلب معالجات مدروسة تتجاوز الحلول الآنية أو الأمنية.

 

العقود خارج التسجيل العقاري: ضمن هذا السياق، برزت ظاهرة البيع والشراء خارج دوائر التسجيل العقاري الرسمية، ما يُعد مخالفة صريحة للشكلية القانونية الواجب توافرها في عقود بيع العقارات. ووفقًا لأحكام القانون المدني العراقي، تُعتبر هذه العقود باطلة من حيث الشكل، ولا يترتب عليها أثر قانوني مباشر بين الطرفين.

 

ومع ذلك، فقد صدر القرار رقم 1198 لسنة 1977، الذي أجاز في بعض الحالات للمشتري إقامة دعوى تملّك أمام محاكم البداءة في حال امتناع البائع عن إكمال إجراءات البيع، بشرط توافر ضوابط قانونية محددة.

 

ماذا لو نكَلَ المشتري؟


وفي المقابل، لم تكن الإشكالية أقل تعقيدًا عندما يكون المشتري هو من ينكص عن تنفيذ التزاماته. فإذا انتفع بالعقار دون دفع كامل الثمن، يجد البائع نفسه في موقف قانوني صعب، إذ لا يمكنه المطالبة بالفسخ لكون العقد باطلًا شكليًا. في هذه الحالة، يلجأ البائع إلى دعوى "منع معارضة" ضد المشتري،  بوصفه متعديًا على العقار، بينما يُترك للمشتري حق استرداد ما دفعه وفقًا لمبدأ "الإثراء بلا سبب".

 

قراءة في الموقف القانوني:

 

 نكول المشتري لا يُعد مجرد إخلال بالتزام، بل يجعله في موقع قانوني أقرب إلى الغصب، الأمر الذي يتطلب تدخلاً قضائيًا حازمًا لإعادة التوازن بين الطرفين، حتى وإن كان العقد باطلًا شكليًا.

 

ورغم التحديات التي يشهدها المشهد العقاري، إلا أن قوة القانون المدني العراقي ورصانة نصوصه، إلى جانب مرونة القضاء في التكييف السليم، قد أسهمت في إيجاد حلول قانونية واقعية تحد من تعقيد الأزمة وتحفظ الحقوق إلى أقصى حد ممكن.