الآثار القانونية لمخالفة قانون أصول المحاكمات الجزائية
بقلم: القاضي الدكتور ٠محمود الحسن
يعد قانون اصول المحاكمات الجزائية من القوانين الإجرائية التي تنظم عمل المحاكم الجزائية منذ لحظة وقوع الجريمة حتى صدور قرار بات في الدعوى الجنائية، أي أن احكام هذا القانون تعتبر قيد على السلطات التحقيقية والمحاكم الجنائية عند مساءلة شخصاً ما عن تهمة معينة اذ ترسم الاجراءات التي يجب ان تتبع مع المتهم منذ لحظة صدور امر قبض بحقه لحين صدور قرار بات في الدعوى، وهذا القانون مشابهاً لقواعد قانون المرافعات المدنية التي تنظم عمل محاكم البداءة والأحوال الشخصية وغيرها، الا ان هنالك مسالة هامة جداً وثمت فارق أساسي بين القانونين رغم انهما من القوانين الإجرائية، حيث يكمن ذلك عند مخالفة نصوص احد القانونيين، فالأمر يختلف في قانون المرافعات المدنية عنه في قانون اصول المحاكمات الجزائية اذا وقعت مخالفة لنصوص احد القانونيين، اذ من الثابت عند مخالفة نص في قانون المرافعات يترتب عليه البطلان وبالتالي سقوط الدعوى المدنية وليس الحق المدعى به، والأمثلة كثيرة في هذا المجال فعندما تقام دعوى على الشخص المعنوي دون اتباع الشكلية المطلوبة وذكر اضافة لوظيفته ترد الدعوى لعدم توجه الخصومة، كذلك الحال عندما لا يحضر المدعى في الجلسة الاولى جاز للمدعى عليه الطلب بأبطال عريضة الدعوى، كذلك طلبات نقل الدعوى عندما لا يتقدم بها الخصم قبل الدخول بأساس الدعوى يسقط حقه في هذا الطلب وكثير من الدفوع تسقط عندما لا يبادر الخصم في اثارتها اثناء نظر الدعوى من قبل محكمة البداءة ٠٠٠ الخ من النصوص، والسؤال هنا هل تترتب ذات النتيجة والآثار القانونية عند مخالفة السلطات التحقيقية والمحاكم الجنائية لنص في قانون اصول المحاكمات الجزائية وبالتالي سقوط الدعوى الجنائية ؟
قد تكون تلك المخالفة مسوغاً قانونياً بالطعن في الحكم ومن ثم نقضه، ولكن هل يترتب على ذلك بطلان الاجراءات ومن ثم سقوط الدعوى الجنائية، اذا ثبتت تلك المخالفة طبقاً لقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي كما هو الحال بالنسبة الى قانون المرافعات المدنية ؟
ولتوضيح ذلك لابد من الإشارة الى مسألة هامة جداً يجب تسليط الضوء عليها وهي ان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي لم يأخذ البتة في نظرية البطلان المنصوص عليها في القوانين الإجرائية لدى غالبية الدول، على الرغم من ان القانون جاء بأحكام تلزم السلطات التحقيقية وقاضي التحقيق ومحاكم الجنايات ومحكمة التميز الاتحادية بضرورة التقيد بهذه الأحكام، الا انه وعند مخالفتها لا يترتب عليها بطلان وحتى وان ترتب فأنه لا يسقط الدعوى الجنائية، اذ بمجرد ينقض القرار من محكمة اعلى درجة ويوجب اعادة الدعوى لاتباع الاجراءات التي نص عليها قانون اصول المحاكمات الجزائية ومن ثم نظر الدعوى مجدداً من قبل المحكمة المختصة وإصدار القرار ، فعندما تنص المادة (١٢٧) من قانون اصول المحاكمات الجزائية "لا يجوز استخدام اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره ، ويعتبر من الوسائل غير المشروعة إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات" فالنص منع الإكراه المادي والمعنوي للحصول على اعتراف المتهم ،ولكن عندما يقر المتهم بتهمة معينة نتيجة التعذيب والإكراه وكانت لهذا الاعتراف ادلة وقرائن تؤيده كأقوال المشتكي او شهادة الشهود او التقرير الطبي التشريحي فأن المحكمة تأخذ بهذا الإقرار وتعتبره صحيحاً رغم حصوله نتيجة التعذيب ويعاقب المحقق الذي قام بالتعذيب استناداً لأحكام المادة (333) من قانون العقوبات حيث انه ورغم مخالفة الاجراء لنص المادة (127) من القانون الا انه لا يترتب على ذلك بطلان الاجراء وسقوط الدعوى الجنائية، كذلك الحال عندما يقوم محقق الشرطة بمخالفة احكام المادة (76) من قانون اصول المحاكمات ويقوم بتفتيش منزل متهم بدون صدور قرار من قاضي التحقيق يسمح له في ذلك، فعندما يتم العثور على مواد مخدرة او أسلحة غير مرخصة اثناء التفتيش غير القانوني ويتم ضبطها والقبض على حائزها وتتخذ الاجراءات القانونية بحقه، فأن المحكمة تأخذ بمحضر الضبط وتقرر ادانة المتهم، رغم ان هذا المحضر كان نتيجة اجراء باطل والمفروض ما بني على باطل يعتبر باطل كما ينص على ذلك قانون الاجراءات الجنائية المصري، وبالإمكان معاقبة محقق الشرطة بتهمة تجاوز واجبات الوظيفة العامة استناداً لأحكام المادة (331) من قانون العقوبات، الا أنه هنالك حالة واحدة فقط في القانون وهي بعد تعديل القانون سنة 2004 حيث او جبت المادة (123/ ثانياً ) من القانون حضور محامي مع المتهم اثناء استجوابه من قبل قاضي التحقيق، فلو قام قاضي التحقيق بتدوين اقول المتهم بالإقرار اي اعترف بالتهمة المنسوبة اليه بدون حضور محامي وادانة محكمة الجنايات المتهم وحصل طعن بالحكم الصادر فأن المحكمة ستنقض الحكم لمخالفته قانون اصول المحاكمات الا انها، لا تقرر سقوط الدعوى بل تلزم قاضي التحقيق بإعادة تدوين اقوال المتهم بحضور محام، ولنفرض أن المتهم قد انكر عند تدوين أقواله مرة ثانية بحضور محام وتم إحالته مجددا إلى محكمة الجنايات، ورغم عدم صحة الإجراء المتخذ في الاقوال الاولى وعلى المحكمة ان تأخذ بالأقوال الثانية التي انكر فيها المتهم، الا انه لا يوجد نص في القانون يمنع المحكمة من ادانة المتهم اذا كانت هنالك ادلة وقرائن ضد المتهم وقد تعتبر إقرار المتهم امام قاضي التحقيق الذي حصل بدون حضور محام من بين القرائن التي تعزز ادلة تدين المتهم شأنها في ذلك شأن إقرار المتهم امام محقق الشرطة، وبالتالي لا تسقط الدعوى رغم مخالفة قانون اصول المحاكمات الجزائية ٠٠٠
